الجمعة، أبريل ١٠، ٢٠٠٩

...مريم



تلك الساحرة الآسرة، تلك العذبة الصافية، تلك البريئة الفاتنة التي أخذتني وانفرجت أساريري معها خلال فترة لم تتجاوز البضع دقائق هي زمن التقائنا الأوحد بمحض الصدفة في إحدى وسائل المواصلات منذ يومين تقريبا في طريق عودتي من العمل إلى المنزل. كانت جالسة على قدمي والدتها في هدوء تنظر إلى الطريق عبر النافذة المجاورة عندما جلست إلى جوارهما خلف السائق وبدأت في فتح الحقيبة لإحضار النقود لدفع ثمن التذكرة له، مددت يدي داخل الحقيبة، بحثت بها عن حافظة النقود وما أن وجدتها وأظهرتها خارج الحقيبة حتى انكسر صمت "مريم" فجأة! فيبدو أنها لاحظت جلوسي وأخذت ترقبني في صمت منتظرة تلك اللحظة التي تستفزها لتكسر صمتها، فما أن وقعت عيناها البراقتان على حافظة نقودي حتى هتفت بأمها تريد أن تخبرها سرًا، فجاء رد أمها ليعلمها أنها تدري ما تريد إخبارها به ألا وهو، كما أخبرتني أمها، أنها تمتلك حافظة نقود تمامًا كحافظتي!! عندها، أخذت أداعبها وبدأنا في تجاذب أطراف الحديث سويًا.. مريم وأنا!

كم كان أسلوبها في الحديث أكثر من ممتع، وضحكاتها أكثر من رائعة، ونظرة عينيها وتعابير وجهها أكثر من مدهشة. كانت تتحدث إلي في تلقائية وبراءة كما لو كانت تعرفني منذ الأزل ومعتادة على الحديث معي والاستجابة لمداعبتي، وكنت أداعبها وأنظر إليها كأن لم أرَ مريمًا من قبل! فقد كانت متميزة متفردة في كل شيء، حتى في نطقها لبعض الأحرف والكلمات. فحين سألتني عن إسمي عندما تذكرت فجأة أنها لم تفعل بعد، طلبت منها أن تخمنه قبل أن أخبرها به، فألقت على مسامعي بعض الأسماء البعيدة كل البعد عن إسمي! إلى أن جاء الدوعلى اسم لم أسمعه من قبل، بل وتعجبت جدا جدا من وجود اسم فتاة كهذا على وجه الأرض! فمن ضمن الأسماء التي خمنتها، ارتطم بسمعي اسم "ساجه"!!! عندها، وقعت في حيرة كبيرة وجعلت أتساءل "ماذا؟!! ماذا؟!!" وهي تكرر في استنكار شديد "ساااجه .. ساجه"، فما الغريب في هذا الاسم أيها الكائن الفضائي العجيب؟!!! وظلت كلتانا في تلك الحالة الهلامية من التعجب والاستغراب من بعضنا البعض إلى أن انتشلتني والدتها من ذلك اللغز المحير بأن قالت لي ببساطه "ساره"! فهي "لدغه" في الراء، ولكن لا تنطقه "غين" كالمعتاد بل بشكل مختلف أيضا ألا وهو "جيم"!!!...
أما عندما وددت تيسير المهمة عليها بإخبارها الحرف الأول من الإسم وهو الألف، هتفت مسرعة، وكأنما قد أضاءت "اللمبة" فوق رأسها فجأة بمجرد سماعها هذا الحرف! .. هتفت "أسد"! يااللــــــه، لقد أنرتِ المحكمة حقا.. أسد!!! شعرت وقتها وكأن الكلمات البادئة بهذا الحرف على اختلافها وتعددها قد اختُزِلت في "أسد"، وإن لم يكن "أسد" فإنه بالتأكيد "أرنب"، ليس لها حل آخر! ...

عزيزتي الساحرة الصغيرة، يامن تمكنتِ من جعلي أتعلق بكِ خلال تلك الدقائق المعدودات زمن تزاملنا في وسيلة المواصلات هذه - تماما كتعلقكِ بي، حبيبة قلبي، الذي أكده لي تكرار سؤالك عما إذا كنا سنتقابل سويًا ونرى بعضنا البعض مرة أخرى وكيف وأين وما إلى ذلك، وكذلك سؤالك عن رقم هاتفي ورغبتك في أخذه كي يطمئن قلبك بوجود وسيلة للتواصل بعد تلك الدقائق المنصرمة سريعا لاريب.
أشكرك عزيزتي من كل قلبي على تلك اللحظات القلائل التي استمتعت فيها أيما استمتاع بكلماتك وضحكاتك وأسلوبك الساحر الأخّاذ، وكم أتمنى من الله أن يجمعني بكِ على خير لمرات أُخَر كي أطبع على خدك قبلة كتلك التي ودعتك بها، وأستعيد معكِ تلك اللحظات المبهجة التي طالما وددت لو استمرت، ولكن الحمد لله على كل حال...

بالرغم من علمي أنك قد لا ترين هذه الكلمات أبدا، فلا أتوقع أن طفلة في "كي جي 1" يمكنها الدخول على الانترنت وتقليب صفحاته حتى توقع الصدفةُ عينيها عليها، إلا أنني أتمنى لو حدث ذلك يوما لتعلمي أنها قد كُتِبَت لكِ، لحبيبة قلبي.. "مريم".

"الحمد لله الذي هداني لهذا وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله"